يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:
"خلق الله آدم من أديم الأرض كلها فخرجت ذريته علي حسب ذلك منهم الأبيض
والأسود والأسمر والأحمر ومنهم بين ذلك ومنهم السهل والخبيث والطيب" أخرجه
الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد. ولذلك أيضاً لما كان ذلك كذلك فإنه
لا يعقل ذلك إلا العالمون في علوم الدين والدنيا في علوم الأرض والناس
والدواب والأنعام فلما عقلوا وفهموا وسلموا وآمنوا خشعت قلوبهم فعرفوا
الطريق الحق عرفوا الخالق وصدقوا بكتبه ورسله فكانت الخشية منهم له سبحانه
حق الخشية ولو انتقلنا إلي عالم الأرحام وإلي عالم القبل وما قبل القبل حيث
عالم الأرواح وعالم النطف "هل أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً
مذكوراً "1" إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا
"2"" سورة الإنسان آية 1.2
الحيوان المنوي الذي لا يري بالعين وما فيه
من أسرار بالغات.. فكل شيء فيه محسوب بغاية الدقة وقد هيأ الله كل المقدرات
في الرحم "إنا كل شيء خلقنه بقدر" سورة القمر آية: .49
ليتم الحمل في
مراحل عبر الزمان والمكان بأمور مقدرة بما يبهر العقل في كمالها وعظمتها
ويعجز الفكر في فهم كل أو بعض أسرارها وغايتها.. وما هو مقدر لها فمن هذه
الأسرار الشفرة الوراثية فالحيوان المنوي بلغ من ضآلة حجمه أن القذفة
الواحدة تحوي الملايين من هذا الحيوان والذي مع صغره المتناهي يحمل بداخله
شفرة بها نصف أسرار وصفات هذا المخلوق حيث نصف كروموسومات ذلك الكائن
الفريد يزدوج مع النصف الآخر ببويضة الأنثي فيكون بعد الحمل بشراً سوياً
حكمة بالغة ناهيك عن الروح المكنون كنهها المحجوب سرها وقد كشف الله
للخلائق بنور العلم وقوة الفهم بعض أسرار الصنعة وبعض ما وراءها من حكمة
حتي يقيم الحجة ويحذر سوء المغبة ويلقي بحبل المودة فمن آمن لم تصبه اللعنة
وفاز بالمنة ومن أبي حرم الجنة ويكشف الله سبحانه في حين بعد حين اللثام
عن بعض أسرار الملك والملكوت ويرفع الستار عن حكمة الحي الذي لا يموت ليلفت
عقول الفاهمين ويوقظ قلوب الغافلين فيكون في الإفصاح عن أوجه الإعجاز
الدلالة علي قدرة الخالق المعجز التي تثبت الطائعين وتهدي العاصين ففي عالم
الوراثة نلاحظ أن طفلاً أسود يأتي من أبوين لونهما أبيض وقد هدي الله
العلماء إلي معرفة أن سر ذلك في تشكيلات الجينات التي يقدرها الله من خلال
التقاء حيوان منوي معين يختاره الله فيكون مع البويضة جنيناً ومن ثم
مولوداً ذكراً أو أنثي بلون وطول محددين ومواصفات ظاهرية وأخري باطنية
وصفات شكلية ومادية وأخري معنوية وعقلية وروحية فسبحان الخالق المصور يقول
الرسول صلي الله عليه وسلم لرجل عرض عليه قضية مثل هذه... حيث رزق بطفل ليس
من لونه ولا لون أمه فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم أعندك نوق قال نعم
ثم سأله عن ألوانها وهل بينها جمل منها يخالف لونها السائد فأجاب الرجل
بنعم قال كيف؟ قال يا رسول الله "لعله نزعها عرق" هكذا قاده الرسول إلي
الإجابة بما يزيل الشبهة التي تعكر صفو حياته بأسلوب حواري رائع وكشف عن سر
من أسرار الوراثة لكن بأسلوب يفهمه أهل عصره صلي الله عليه وسلم حيث لم
يكن العلماء قد كشف اللثام لهم عن أسرار هذا العلم فمن أين أتي سيدنا محمد
صلي الله عليه وسلم بهذا العلم إلا أن يكون رسولاً ونبياً يوحي إليه فإذا
انتقلنا إلي فصل آخر في هذا العلم كيف تتحدد الذكورة أو الأنوثة في الأجنة
فتعالوا نقرأ قول الله سبحانه: "ألم يك نطفة من مني يمني "37" ثم كان علقة
فخلق فسوي "38" فجعل منه الزوجين الذكر والأنثي "39"." سورة القيامة آيات:
37. 38. .39
فالضمير في قوله سبحانه: "منه" يعود إلي الرجل أومائه
ويأتي حديث النبي مؤكداً حيث يجيب عن سؤال الرجل: متي يكون المولود ذكراً
ومتي يكون أنثي؟ فيجيب عنه صلي الله عليه وسلم بأنه إذا سبق ماء الرجل ماء
المرأة كان المولود ذكراً وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل كان المولود أنثي
وكلمة سبق في الحديث تعني أن الماءين ينطلقان من مكان واحد فما يحدث في
السباقات أنها تبدأ من خط واحد فقد ألقت كلمة سبق الضوء علي أن ماء الرجل
فيه حيوانات منوية تحمل عوامل الذكورة "كروموسوم الجنس" Yوأخري تحمل عوامل
الأنوثة "كروسوم الجنس" X بينما كل بويضات إناث البشر كلهن لا تحمل إلا
كروموسوم الجنس الأنثوي X وفي ذلك إشارة إلي أن الذي يحدد الذكورة والأنوثة
هو القذفة المنوية للرجل باختيار الله سبحانه فإذا سبق ماء الرجل أي حيوان
منوي يحمل عامل الجنس Y إلي بويضة بها X كان المولود يحمل XY أي ذكراً
وإذا سبق ماء المرأة أي سبق حيوان منوي يحمل عامل X إلي بويضة تحمل X كان
المولود يحمل XX أي أنثي فمن علم محمداً صلي الله عليه وسلم ذلك إلا أن
يكون صلي الله عليه وسلم رسولاً ونبياً يوحي إليه من الله وأن القرآن كتاب
الله الحكيم ثم إذا انتقلنا إلي مراحل خلق الأجنة داخل الرحم وأيهما أسبق
المرحلة العظمية أم المرحلة اللحمية لوجدنا أن القرآن يؤكد أن العظام تسبق
اللحم في قوله: "فكسونا العظام لحما" سورة المؤمنون آية: .14
وهذا ما
أثبته العلم في القرن الماضي فمن الذي علم الرسول ذلك من أربعة عشر قرناً
ويزيد إلا أن يكون القرآن هو الكتاب الحق الخاتم وأنه لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
يقول الفيلسوف الفرنسي "ألكس
لوازون" في كتاب "حياة محمد" عن القرآن الكريم "هو آية البلاغة وسجل
الأخلاق وكتاب مقدس وليس بين المسائل العلمية التي كشفت حديثاً أو
المخترعات الحديثة مسألة تتعارض مع الأسس الإسلامية فالانسجام تام بين
تعاليم القرآن والقوانين الطبيعية..." فمن اخبر الرسول صلي الله عليه وسلم
أن أول حاسة تعمل في المولود هي السمع ولذلك نصح بأن يؤذن في أذنه اليمني
ويقام للصلاة في اليسري بمجرد ولادته ومن علمه بأن آخر حاسة يفقدها مع آخر
رمق هي البصر حيث يوصي بأن تغمض عينيه لأن آخر ما يتبع الروح البصر ومن
الذي علمه أن كل شيء يفني من ابن آدم إلا عجب الذنب وكل ذلك أثبته العلم
الحديث وأصبح من الثوابت العلمية.. إلا أن يكون نبياً ورسولاً.