سر التاءات التي بسطت في القرآن في حزمة واحدة
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
سر التاءات التي بسطت في القرآن في حزمة واحدة
سأركز
في هذه الحزمة على التاءات المبسوطة حتى أنتهي منها، وهي ليست بالكثيرة،
لننتقل بعدها إلى موضوع آخر ... وأرجو أن تكون هذه الطريقة في النشر فيها
اكتمال المواضيع الفرعية من سلسلة علم معاني الرسم القرآني تساعد أهل
القرآن؛ دارسين ومدرسين في تعلمها، وتعليمها.
القاعدة في بسط وقبض
التاء؛ أن التاء المقبوضة يدل قبضها على أن الشيء مجهول كله أو بعضه،
ورسمها كان كالكيس المربوط، إن عرفت بعض ما فيه، فلا تعرف كل ما فيه.
والتاء المبسوطة يدل بسطها على أن الشيء معلوم وبين واضح غير مجهول، ورسمها كان كالصحن المكشوف لا يخفي ما يوضع فيه.
ولنا مع كل تاء بسطت في الرسم القرآني -المشهور بالرسم العثماني- موقف وحديث ....
والله تعالى أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) - خير الجنات جنت الواقعة
خير ما يسأل المؤمن ربه ويتمناه جنة الواقعة؛ (جنت نعيم) المكتوبة بالتاء المبسوطة0
قال تعالى: (فأما إن كان من المقربين(88) فروح وريحان وجنت نعيم (89)) الواقعة،
تكرر ذكر جنة، والجنة، عشرات المرات في القرآن الكريم (67 مرة) وكلها كتبت بالتاء المقبوضة (المربوطة) إلا واحدة؛ هي جنت الواقعة.
ويعود
السر في بسط تاء جنة الواقعة إلى فرق الدلالة ما بين التاء المقبوضة
والمبسوطة؛ التاء المقبوضة من طريقة رسمها كالصرة المربوطة، إن لم يكن ما
بداخلها مجهولاً بالكلية فبعضه مجهول أو جوانب منه.
وليس كل من يدخل
الجنة يطّلع على كل ما فيها من نعيم، فمن كان نصيبه في الجنة أن يكون في
المنزلة العاشرة مثلاً -والجنة فيها مائة منزلة- فعندما يؤذن له بدخول
الجنة يدخلها من أسفلها -ولا يكون الدخول إلا من أسفل الجنة بعد تجاوز
النار- إلى أن يصل منزلته، فيجد في أول منازلها؛ ما لا عين رأت، ولا أذن
سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وتكون فرحته وسروره عظيمًا، وعندما يرقى إلى
المنزلة التالية يجدها أفضل من الأولى، وفيها زيادة ليست في الأولى، إلى أن
يصل إلى المنزلة المكتوبة له، فيجدها خيرًا من كل المنازل التي مر عليها،
وفيها زيادات لا توجد في
المنازل التي مر عليها.
لكن ما ذا يوجد من زيادات في المنازل التي أعلى من منزلته؟ سيبقى يجهل تلك الزيادات من النعيم، مع انه في داخل الجنة.
أما
إن كان من المقربين، فهو في أعلى منزلة في الجنة (في الفردوس الأعلى)،
وليس هناك منزلة أعلى من منزلة المقربين، فأصحاب هذه المنزلة قد مروا على
كل منازل الجنة واطلعوا على ما فيها من نعيم، وعندهم مثل هذا النعيم، وأفضل
منه، وزيادات لا توجد في كل المنازل اللواتي من دونها.
فأصحاب هذه
المنزلة قد عرفوا كل نعيم الجنة، ولم يبق من نعيم الجنة شيء يجهلونه، فجنة
هؤلاء فقط هم الذين كتبت تاء جنتهم مبسوطة، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا
منهم وفيهم، والضعيف العاجز من تكون همته في طلب منزلة في الجنة دون هذه
المنزلة التي اجتمع فيها كل أنواع نعيم الجنة.
هذا مسألة واحدة من آلاف
المسائل التي تميز بها الرسم العثماني، وكل مسألة كتبت فيها الكلمة مخالفة
للرسم الاصطلاحي وراءها سر يكشف صورة الواقع الذي صورته هذه الكلمة، وكشفت
أيضًا عن سر كتابتها بالرسم الاصطلاحي المقابل لها، ولكن الأمة عبر قرونها
الطويلة أعرضت عن البحث في هذا العلم للكشف عن هذه الأسرار ولطائفها فحرمت
هذه الأجيال من هذا العلم الجليل ....
بسم الله الرحمن الرحيم
(2) - شجرةالزقوم ... وشجرتالزقوم
سيرًا
على القاعدة العامة في رسم التاء المقبوضة، والتاء المبسوطة، فإن تاء
الشجرة إذا كانت مقبوضة فهي شجرة نكرة مجهولة، غير محددة، ولم يسبق الاطلاع
عليها، ومعرفة حقيقتها، وإذا كانت تاء الشجرة مبسوطة؛ كانت هذه الشجرة
معلومة لمن اطلع عليها، وعرفها، وأكل منها
والحديث عن شجرة الزقوم اختلف من موضع إلى آخر من آيات الله؛
ففي
سورة الواقعة يتوعد الله عز وجل الكافرين الضالين في الحياة الدنيا بأكلهم
من شجر الزقوم يوم الدين، (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ
الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52)
فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ
الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ
يَوْمَ الدِّينِ (56) الواقعة، وفي هذه السورة جاء ذكر شجر الزقوم بالجمع
وليس بالإفراد
وفي سورة الصافات بعد الحديث عما آل إليه قرين السوء،
المكذب للبعث من عذاب في وسط جهنم، وما آل إليه المصدق بالبعث، ولم يضعف
أمام كفر قرينه، ولم يستجب له، فدخل الجنة وتنعم بنعيمها؛ (لِمِثْلِ هَذَا
فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (61) الصافات
ثم يذكر تعالى هذا النعيم خير
أم شجرة الزقوم ويذكر هذا الشجر بأبشع ما يصوره كاره لشيء ويخافه، ليحذر من
يخاف الله أن يكون ممن يأكل منها، وهو يتلظى في نار جهنم؛ (أَذَلِكَ
خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ(62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا
فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَاشَجَرَةٌتَخْرُجُ فِي أَصْلِ
الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ
مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) الصافات
وهذه الشجرة لا يعلم
قبحها أحد من هؤلاء الضالين في الحياة الدنيا، حتى يدخلوا النار ويأكلوا
منها، فيعلمون شر ما توعدهم الله به ... وفي حديث عن الرسول صلى الله عليه
وسلم يذكر فيه أنه لو نزلت قطرة من الزقوم لأفسد ماء الأرض، فاتقوا الله
فكيف بمن يكون الزقوم طعامه، لذلك كتب تاؤها مقبوضة لجهل الجميع بمدى مرارة
وقبح هذه الشجرة
أما الحديث عن شجرة الزقوم في سورة الدخان فهو الحديث
عن شجرة قد عرفت للآثمين: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ(43) طَعَامُ
الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ
الْحَمِيمِ (46)، .... ثم يقال بعد أكلهم منها ... (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ
إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ
الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ
هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ (50) الدخان
يتبين لنا من ذلك؛ أنه
لما كان الحديث عن شجرة الزقوم، وهذه الشجرة من شجر النار في الآخرة،
والمخاطبين عنها في الآيات هم من أهل الحياة الدنيا، كانت الشجرة مجهولة
لديهم، فكتبت التاء مقبوضة، وقد غر أبي جهل اسم الزقوم، وظن أنه هو التمر
الذي يغمس في الزبد قبل تزقمه، وهو من طعام أهل اليمن، فقال ساخرًا: هذا
الذي يتوعدنا به محمد؟! ... يا غلام ... ائتنا بتمر وزبد نتزقمه، فأنزل
الله تعالى مبينًا صفتها، فقال: (إِنَّهَاشَجَرَةٌتَخْرُجُ فِي أَصْلِ
الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات
ولما
تحدث تعالى ما يحدث لأهل النار في سورة الدخان وقد أكلوا من هذه الشجرة
الملعونة، ثم أُخذ الآكل منها، فعُتِل، فألقي في وسط الجحيم، أصبحت الشجرة
معروفة لديهم غير مجهولة فبسطت تاؤها في الرسم لاختلاف حالها في الآخرة عن
حالها في الدنيا عند هؤلاء
هذا سر من أسرار الرسم العثماني الذي هاجمه جهال وأصحاب فتن لمن جهلوا ما وراء هذا الرسم من أسرار
بسم الله الرحمن الرحيم
(3)- (قرة) أعين منتظرة ..... و(قرت) عين ممتلكة
ذكرت "قرة" المقبوضة التاء في موضعين في القرآن الكريم، وهم قرتان لم تتحققا بعد، وزمن تحققها علمه عند الله عز وجل؛
قال
تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
(74)الفرقان. فهذا دعاء لما لم يحدث، والاستجابة راجعة إلى الله سبحانه
وتعالى، وزمن تحققه إن وقع يكون في المستقبل، لذلك حال القرة مقفل وقت دعوة
الداعي، وزمن تحققها هو في علم الغيب عند الله عز وجل.
وقال تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)السجدة.
وهذه أيضًا حالها في الدنيا مجهولة، ولا تتحقق إلا في الآخرة لمن أنعم الله عليه بالجنة، فيبصر معاينة ما فيها من قرة أعين
فتاء قرة في الموضعين السابقين رسمت مقبوضة مطابقة مع الحال في كل منهما، وتنبيهًا له.
أما الموضع الثالث فاختلف عن الموضعين السابقين؛
قال
تعالى: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا
تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (9)القصص.
ذكر أن امرأة فرعون كانت عقيمة؛ أي ليس لها ولد،
ومُنى كل امرأة وقرة عينها أن يكون لها ولد، فها هي الآن يتبدل حالها،
ويصبح بين يديها ولد ليس له أهل ينازعونها عليه، فهذا الغلام الحاضر بين
يديها قرت عين قد تحققت لها، وليس قرة عين موعودة بها، فبسطت تاء قرت؛
مطابقة مع الواقع الذي حصل، فخالف رسمها في هذه الحال عن رسمها في الحالين
السابقين.د
بسم الله الرحمن الرحيم
(4)- (امرأة) نكرة ... و(امرأت) معرفة
كل امرأة معرفة تكتب بالتاء المبسوطة، وكل امرأة نكرة تكتب بالتاء المقبوضة.
وتعريف المرأة يكون بالإضافة إلى زوجها بضمير متصل يدل عليه أو إلى اسمه مصرحًا به؛
أما إذا أضيفت إلى ضمير متصل فبسط التاء يكون وجوبًا، ولا صورة أخرى لها غير البسط، ولا تكون المرأة في هذه الحال إلا معرفة.
ومثالاً على ذلك قوله تعالى: (رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ .. (40)آلعمران.
قال تعالى: (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)الذاريات.
والمرأة
جاء اسمها من مادة "مَرَأَ"، التي من المروءة، والمروءة أن يكون فعل المرء
من نفسه، لا يريد ممن فعل له الفعل أجرًا ولا شكورًا، وذكر المرأة في
القرآن كان في المواضع التي كان فعلها من نفسها، فاستقلت به عن زوجها
وانفصلت بهذا الاستقلال عنه؛
- فاستقلال زوجة زكريا عليه السلام عن
زوجها كان بعقمها؛ فلم تستطع أن تعطيه الولد الذي يربط بينهما، ومثلها زوجة
إبراهيم عليه السلام؛.... فهذين المثالين الذَين كانا لزوجين مؤمنين.
-
وحالة ثانية في استقلال المرأة عن زوجها وانفصالها: استقلالها بالسوء عن
زوجها، ومثاله قوله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)المسد،
فقامت بأفعال لم يفعلها زوجها، وقد يستعظم على نفسه فعلها، كرمي القاذورات
والأشواك على طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه كان يصد الناس ويصرفهم
عنه، فكان إيذاؤها خاصًا بها، وأم جميل دافعة لزوجها أبي لهب لقطع صلة رحمه
بابن أخيه.
- وحالة ثالثة: خيانة زوجها في نفسها، فتطلب تحقيق رغبتها
عند رجل آخر غير زوجها؛ ومثاله امرأة العزيز التي أرادت ذلك مع فتاها يوسف
عليه السلام، قال تعالى: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ
الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا
لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (30)يوسف.
وحالة رابعة: أن يكون الزوج مؤمنًا والزوجة كافرة؛ ومثاله امرأة نوح، وامرأة لوط؛
قال
تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَتَ نُوحٍ
وَاِمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا
صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)التحريم.
وحالة
خامسة: أن تكون هي مؤمنة وهو كافر؛ ومثاله امرأة فرعون؛ قال تعالى:
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ
قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن
فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)آل
عمران.
وحالة سادسة: أن تستقل في رغبتها في أمر ما عن زوجها؛ ومثاله نذر
امرأت عمران ما في بطنها دون زوجها؛ قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ
عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا
فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)آل عمران،
فقالت نذرت، ولم تقل نذرنا، وقالت تقبل مني، ولم تقل تقبل منا، وقيل إن
عمران مات قبل ولادتها، أو قبل تنفيذ نذرها.
وحالة سابعة: أن يكون بين
الزوجين خلافًا؛ ومثاله قوله تعالى: (إِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا
نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا
بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ ... (128)البقرة، وهنا رسمت تاؤها مقبوضة
لأنها نكرة غير معرفة.
وحالة ثامنة: أن تزوج المرأة نفسها بدون إذن
وليها، ومثاله قوله تعالى: (.. وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ
نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا
خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ .. (50)الأحزاب، وهذه رسمت تاؤها
مقبوضة لأنها نكرة غير معرفة.
وتسمية الأنثى بالمرأة جاءت من تأنيث
امرئ، وهي من المروءة، وهي تدل على أن الفعل كان من إقدام النفس عليه بغير
سبب ..... وتسمية الأنثى بالمرأة يطلق على المتزوجة، وعلى غير المتزوجة؛
فليس الزواج هو السبب في هذه التسمية.
ولفظ المرأة يثنى ولا يجمع، والسر
في ذلك؛ أن النفس تستقل بفعلها وهي منفردة لوحدها، ولا تتأثر كثيرًا عند
اجتماعها بثانٍ غيرها، فليس هناك تبعية من إحداهما للأخرى ... أما عندما
يكون الفرد مع جمع، فسينقاد الجمع خلف أحد منهم يقودهم ويكونون هم تبعًا له
... وهنا تنتفي الصفة عن موصوفها، وتخرج التسمية عن مضمونها، فلا يظل
الفعل صادر من نفس صاحبه وبقرار منه، وهذا هو السر في عدم جمع المرأة بلفظ
من جنسها. ولا امرئ كذلك.
ولما كانت البنت محدودة التصرف في بيت والدها،
ومطْلَقَة اليد في بيت زوجها؛ تتصرف فيه في أمور كثيرة كما تشاء من نفسها
وبكامل إرادتها، غلب استعمال لفظ المرأة للمتزوجة دون البنت والأيم من
النساء.
ووصفت بنتا الرجل الصالح من مدين بالمرأتين؛ لأنهما نابتا عن
أبيها في رعاية الغنم، وليس هذا العمل من أعمال النساء، وانفردتا بنفسيهما
مبتعدتين عن الرعاء في مكان السقي؛ قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء
مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن
دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا
نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)القصص.
بسم الله الرحمن الرحيم
(5) - (ابنت) اشتهرت ... و(ابنة) لم تذكر
"ابنة"
لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة، وهي معرفة بالإضافة إلى عمران، بل إن
ابنة عمران أكثر امرأة نالت شهرة في الأرض، فكان حقها أن ترسم تاؤها
مبسوطة، وكذلك رسمت؛
قال تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي
أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ
بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ
(12)التحريم.
بسم الله الرحمن الرحيم
(6) - بسط تاء لعنت
لعنت : وردت كلمة لعنة في القرآن (14) مرة؛ قبضت تاؤها في (12) موضعًا، وبسطت مرتان فقط.
جاء ذكر اللعنة التي قبضت تاؤها في (7) آيات لأولئك الذين ماتوا على الكفر فكانوا من أصحاب النار ...
كقوله
تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ
عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(161)
البقرة.
وجاء ذكر اللعنة المقبوضة التاء في (3) آيات لمن لعنوا في الدنيا وفي الآخرة ...
كقوله تعالى: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ(99) هود.
وآيتان متعلقة بلعن إبليس إلى يوم القيامة ومن هلك ملعونًا بعث ملعونًا؛
كقوله تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ(35) الحجر.
فهذه
المواضع الاثنا عشر؛ قبضت فيها التاء؛ لأن الذين لعنوا دخلوا في اللعنة،
وهي محيطة بهم، ولا مخرج لهم منها، فقبضت تاؤها على الصورة التي عليها
الملعونين... نعوذ بالله من كل ذلك.
أما الموضعان التي بسطت فيهما التاء
فهما لأناس لم يلعنوا بعد، حتى يقدموا على عمل هم مخيرين فيه، فإن فعلوا
فإن اللعنة تفتح لهم للدخول فيها ... فإن دخلوا فيها فلن يكون لهم مخرجًا
منها بعد ذلك.
الموضع الأول كان في الابتهال؛ قال تعالى: (فَمَنْ
حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا
نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ
وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ .... فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ
اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61) آل عمران.
وأما الموضع الثاني؛ فكان
في حديث اللعان بين الزوجين ... فإذا شهد الزوج المتهم لزوجه، أربع شهادات
بالله إنه من الصادقين، وهو كاذب، ثم طلب في الخامسة اللعنة عليه إن كان من
الكاذبين، فتحت له اللعنة ليدخل فيها لأنه ارتضاها لنفسه؛
قال تعالى:
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ
إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ
إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ
عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ(7) النور.
اللعنة في الآتيتين
موجبة، وإذا وجبت فقد فتحت، ولا يخرجه منها استغفار بعد ذلك، ولا توبة،
لعلم الملعون بنتائج عمله قبل طلب اللعنة لنفسه، وهو يعلم أنه كاذب، ومستحق
لها، فيقدم على طلبها مستهينًا بها، غير مرتدع عن الاعتراف بكذبه وجرمه.
بسم الله الرحمن الرحيم
(7) - بسط تاء معصيت
معصيت : لم ترد إلا مرتين فقط، وبسطت في كلتيهما؛
قال
تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ
يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا
لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا
يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا
فَبِئْسَ الْمَصِيرُ(8) المجادلة.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ
وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(9)المجادلة.
بسطت
تاء معصيت الرسول لأنه جاء في الآيتين تحذير من الله تعالى من دعوة بعضهم
بعضًا سرًا وفي تناجيهم للدخول في معصيت الرسول صلى الله عليه وسلم .. فهم
خارجين عنها، وغير مقترفين لها، ولم يدخلوا فيها، وليس لأحد عصمة في الدخول
في معصيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان هذا التحذير ليحرص من الوقوع
فيه بعلمه أو جهلا منه، وقد يجد من يبسط له الدخول فيها من قرناء السوء،
فقد دخلها من قبل فاسقين، وكافرين، ومشركين، ومنافقين، وضالين، ومن أهل
الكتاب، وما زال الباب مفتوحًا لم يغلق من يوم إرساله صلى الله عليه وسلم،
ومعصيته عليه الصلاة والسلام مفتاح لمعصية الله في كل أمور الدين
والدنيا.... ومعصيت الرسول صلى الله عليه وسلم معلومة لله مهما تستر عليها
العاصي وأخفاها، ويكشفها الله عز وجل للناس كما كشف أقوال وأفعال المنافقين
الذين أظهروا خلاف ما في قلوبهم... واجتب الصحابة معصية الرسول صلى الله
عليه وسلم لإيمانهم بالله ورسوله التي أوجبت عليهم الطاعة المطلقة لهما.
ولم
ترد معصية مقبوضة في القرآن؛ فليس هناك معصية في الواقع لم يدخل فيها
الناس؛ من أعظمها إلى أدناها، أي من الشرك بالله إلى اللمم من الذنوب.
لقد
تكلمنا في أمثلة الحلقات السابقة على أن التاء المبسوطة هي علامة للمعلوم
المعروف البين، وأن التاء المقبوضة علامة للشيء المجهول بعضه أو كله.
وبينا
في هذين المثالين صورة أخرى لدلالة التاء المقبوضة والمبسوطة؛ صورة من هو
في الداخل ومقفل عليه الخروج، أو من هو في الخارج ومقفل أيضًا عليه الدخول
....فكان في رسم التاء المقبوضة صورة لهذا الحال.
وصورة من هو في
الخارج، وفتح وبسط له الطريق للدخول والولوج إلى الداخل، مما فيه غضب الله
وسخطه.... فكان في رسم التاء المبسوطة صورة لهذا الحال..... والله تعالى
أعلم.
.............تابع معنا بقية الأمثلة في الأيام المقبلة إن شاء الله تعالى.