بسم الله الرحمن الرحيم
*** (( سنريهم آياتنا فى الآفاق )) ***
صدق الله العظيم - فصلت 53
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
((انما يخشى الله من عباده العلماء ))
"الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتهاالعلمية "
بسم الله الرحمن الرحيم
" إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم
لي ساجدين" يوسف:4
هــذا النص القرآني الكريم جاء على لسان نبي الله يوسف
(
عليه السلام) يروي به رؤيا رآها في منامه فقصها على أبيه نبي الله
يعقوب( عليه السلام), ورؤيا الأنبياء حق لأنها وحي من الله ـ تعالى ـ
كما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما. وقد جاءت الرؤيا في مقدمات سورة يوسف
بالنص القرآني التالي:
"إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين" (يوسف:4)
وقد تحقق تأويل هذه الرؤيا في ختام سورة يوسف حيث تقول:
"فلما
دخلوا على يوسف آوي إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين *
ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد
جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد
أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم
الحكيم" ( يوسف:100,99).
وكان تأويل رؤيا يوسف أن الشمس والقمر هما
أبواه, والأحد عشر كوكبا هي إخوته الأحد عشر كما جاء في تفاسير القرآن
الكريم, وكان ذلك السجود تعبيرا عن فرح والديه بلقائه بعد طول غياب,
وعن خضوع إخوته له تكفيرا عن أخطائهم في حقه, وكان السجود تحية للملك
ولكل من كان قريبا من منزلته كقاعدة كانت قديما متبعة في كل من مصر
وفلسطين, وفارس, والهند, والصين وغيرها من دول العالم القديم. على
ألا يتضمن أية لمسة تعبدية وإلا صار حراما, لأن السجود المقصود به
العبادة لا يجوز لغير الله ـ تعالى ـ, ولذلك فإن الإسلام العظيم قد حرم
السجود لغير الله تحريما مطلقا, وقد يكون المقصود بالسجود في الآية
الكريمة هو مجرد التطامن بالانحناء نحو الأرض كما يفعل اليابانيون إلي
اليوم عند استقبال إنسان ذي مقام عال تكريما له وتعظيما..
وهنا أثار
بعض المتأملين في سورة يوسف ـ عليه السلام ـ من أمثال الأخ الكريم المهندس
أحمد فاروق الدسوقي في بحثه المعنون الأحد عشر كوكبا بين القرآن والسنة
وعلم الفلك الحديث سؤالا هاما كثيرا ما تردد في محاضراتي بالعديد من دول
العالم, والسؤال مؤداه: هل هناك من علاقة بين اختيار رموز رؤيا نبي
الله يوسف؟ وعدد كواكب مجموعتنا الشمسية؟
فقد اختار الله ـ وهو تعالي
المحيط بكل شئ ـ أن يكون عدد إخوة نبيه يوسف أحد عشر, وأن يسجد له في
رؤياه التي رآها في حداثته أحد عشر كوكبا, وأن يسجد له مع هذه الكواكب
الأحد عشر كل من الشمس والقمر, وبعد سنوات من الفراق يلتئم شمل هذا البيت
من بيوت النبوة على أرض مصر فيسجد الوالدان والأحد عشر أخا ليوسف ـ عليه
السلام ـ إجلالا لما أفاء الله ـ تعالى ـ به على هذا الابن المفقود منذ
سنوات من تمكين في الأرض, وحمدا لله من كل من الوالدين والأخ الشقيق أن
جمعهم مع هذا الابن والشقيق بعد طول فراق, واعتذارا من الإخوة غير
الأشقاء الذين سمحوا للشيطان أن ينزغ بينهم وبين أخيهم.
وكان نبي الله يعقوب يري أحداث المستقبل بنور الله, وكانت دعوته لولده يوسف قد استجيبت حين أجابه بما جاء في كتاب الله:
"
قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان
عدو مبين . وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك
وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم
حكيم" يوسف:6,5
ودليل استجابة هذه الدعوة المباركة جاء في نفس السورة الكريمة وذلك بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ:
"..
وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره
ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك
نجزي المحسنين" (يوسف:22,21).
ومن أدلة استجابة دعوة نبي الله يعقوب لولده يوسف ما جاء في نفس السورة من حديث هذا النبي الابن لرفيقي سجنه حين قال لهما:
"
قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما
مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون .
واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ
ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون"
(يوسف:38,37).
ومن أدلة استجابة الدعوة إنزال حب نبي الله يوسف في قلب ملك مصر إذ تقول عنه الآيات:
"وقال
الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين .
قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم . وكذلك مكنا ليوسف في الأرض
يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين . ولأجر
الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون"يوسف:5ـ57
ومن أدلة استجابة
دعوة نبي الله يعقوب لولده يوسف تلك المعجزة الحسية التي أجراها الله ـ
تعالى ـ على يديه برد بصر أبيه بعد أن ابيضت عيناه من الحزن بمجرد إلقاء
قميص يوسف على وجهه كما أمرهم يوسف, وإحساس أبيه بمقدم القميص إليه وبه
رائحة يوسف وفي ذلك تقول الآيات:
"اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه
أبي يأت بصيرا واتوني بأهلكم أجمعين . ولما فصلت العير قال أبوهم إني
لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون . قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم .
فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم
من الله مالا تعلمون"
( يوسف:93 ـ96).
وفي ختام قصة نبي
الله يوسف يأتي سجود أبويه وإخوته الأحد عشر له, ويرد يوسف هذه الواقعة
إلي أنها تأويل رؤياه من قبل وفي ذلك تقول الايتان
(100),(101) من سورة يوسف:
"
ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل
قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد
أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم
الحكيم . رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات
والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين"
فهذا
النبي الصالح: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الذي علمه الله ـ
تعالى ـ من تأويل الأحاديث قد أول سجود أحد عشر كوكبا له في رؤياه بسجود
إخوته الأحد عشر, وأول سجود كل من الشمس والقمر في رؤياه بسجود أبويه
له.
ولما كان كل من الشمس والقمر من مكونات مجموعتنا الشمسية, وكذلك
الكواكب وأقمارها, فهل يمكن أن يكون اختيار الكواكب كرمز لإخوة يوسف في
رؤياه التي رآها في حداثته إشارة من الله ـ تعالى ـ إلي أن عدد كواكب
مجموعتنا الشمسية مساو لعدد إخوة نبي الله يوسف الأحد عشر ؟ وللإجابة على
ذلك السؤال لابد من استعراض سريع لتدرج اكتشاف الكواكب في مجموعتنا
يتبــــــــــــــع
الكواكب في مجموعتنا الشمسية
إلي سنة1781 م كان العدد المعروف من كواكب المجموعة الشمسية ستة فقط هي من الداخل إلي الخارج على النحو التالي:
عطارد,
الزهرة, الأرض, المريخ, المشتري, وزحل, وذلك لأن هذه الكواكب
يمكن رؤيتها بالعين المجردة لقربها النسبي من الأرض وكبر حجمها.
في1781/3/13
م تم اكتشاف كوكب يورانوسUranus بواســـطة الفلكي الألماني الأصل
الانجليزي الجنســــية وليام هيرشــــــل Wiliam Herschel
بدءا
من1801/1/1 م تسلسلت الاكتشافات لعدد من الكويكبات Asteroids التي تجري
في مدار محدد حول الشمس بين كوكبي المريخ والمشتري يعرف باسم حزام
الكويكبات, ويضم آلافا من تلك الجسيمات التي يعتقد أنها ناتجة عن انفجار
كوكب كان يجري في هذا المدار. وقد تم اكتشاف أول هذه الكويكبات
في1801/1/1 م بواسطة الفلكي الصقلي جيوسيبي بيازي GiuseppePiazzi وهي
جسيمات متباينة الأحجام أكبرها لا يتعدي قطره300 كم( نحو ستة
كويكبات), ونحو مائتي كويكب يزيد قطر الواحد منها عن100 كم, والبقية
يقدر قطر الواحد منها بأقل من كيلومتر واحد, ومجموع هذه الكويكبات لا
يشكل أكثر من واحد من الألف من كتلة الأرض. وهي في مجموعها تمثل الكوكب
الثامن من كواكب المجموعة الشمسية.
في1846/9/23 م تم اكتشاف الكوكب نيبتيون Neptune بواسطة الفلكيين الألمانيين جال, داالرست
Johann Galleand Heinrichd Arrest
بناء
على حسابات سابقة قام بها على انفراد كل من الفلكي الإنجليزي جون
س.آدامز John.CAdams والفلكــي الفرنســي إيربين لوفيـــريه Urbain
Leverrier على الرغم من القول بأن جاليليو Galileo قد رآه في سنة1612
م. واعتبر نيبتيون الكوكب التاسع في مجموعتنا الشمسية.
في1930/2/18 م تم اكتشاف الكوكب بلوتو Pluto وتم الإعلان عنه
في1930/3/13 م بواسطة الفلكي الأمريكي كلايد تومباو ClydeW.Tombaugh
بناء على عدد من الحسابات المســتقلة من كل من بيرســــيفال لويل1915
مPercival Lowell وويليام بيكرنج WilliamH.Pickering (1919), واعتبر
بلوتو الكوكب العاشر في مجموعتنا الشمسية. (6) في2003/11/14 م تم
اكتشاف الكوكب الحـــادي عشــر الذي أطـلق عليه اسم سيدناSedna , وتم
الإعلان عنه في2004/3/15 م بواسطة مجموعة الفلكيين الأمريكيين براون,
تروجيللو, رابينو فيتز M.Browm,Chad Trujilloand David Rabinowitz
وذلك
بناء على حسابات للفلكيين الروس الذين أطلقوا عليه من قبل اسم
بروسوبينا( أوبريينا) دون أن يروه, وحسابات الفلكي الأمريكي جوزيف
برادي سنة1972 م التي كانت نظرية بحتة.
وهذا الكوكب الحادي عشر(
سيدنا) يوجد علي بعد تسعين وحدة فلكية من الشمس( أي90 150 مليون
كم=13,500 مليون كم وبذلك تقدر سنته بعشرة آلاف وخمس سنوات أرضية,
بينما لا يزيد بعد الكوكب العاشر( بلوتو) عن الشمس عن(39,53) وحدة
فلكية( أي نحو5914 مليون كم), وبذلك تقدر سنته نحو248,54 سنة
أرضية.
(7) في سنة1950 م اقترح الفلكي الهولندي أوورت JanH.Oort
وجود غيمة من المذنباتComet تحيط بمجموعتنا الشمسية علي هيئة قشرة كروية
على مسافة تقدر بنحو خمسين ألف وحدة فلكية(50.000 150 مليون كم=7,5
مليون مليون كم) وتعرف هذه الغيمة باسم غيمة أوورت للمذنباتThe Oort
Comet Clou ومجموع كتلة المادة في هذه الغيمة أقل من كتلة الأرض,
وتوزيعها في هذه القشرة الكروية الهائلة يشير إلي قلة كثافتها بشكل
ملحوظ. وأغلب المادة فيها قادمة من خارج نظام مجموعتنا الشمسية.
وفي
سنة1951 م وصف الفلكي الأمريكي كويبر Kuiper حزاما آخر من المذنبات
أقرب كثيرا من غيمة أوورت, على بعد أربعين وحدة فلكية من الشمس عرف من
بعد باسم حزام كويبر للمذنبات The Kuiper Comer Belt. ويعتقد بأن كلا من
حزام كويبر وغيمة أوورت يندمجان في بعضهما ليكونا إطارا لمجموعتنا الشمسية
من أحزمة المذنبات تقل فيه كثافة المادة بشكل ملحوظ.
من هذا الاستعراض
يتضح أن عدد كواكب المجموعة الشمسية هو أحد عشر كوكبا كما جاء في رؤيا نبي
الله يوسف ـ عليه السلام ـ والكوكب هو كل جسم كروي من أجرام السماء يدور
حول ذاته ويجري في مدار محدد له حول الشمس, وبعض الكواكب لها قمر واحد أو
أكثر من قمر على هيئة تابع أو توابع. أما الشهب والنيازك فهي أجسام
صغيرة جدا لا تدور حول ذاتها وتدخل إلي نطاق المجموعة الشمسية من أطرافها
أو من خارج حدودها, وكذلك المذنبات.
هذه الحقيقة لم تتأكد إلا
باكتشاف كوكب سيدنا في2003/11/14 م, وسبق القرآن الكريم بالإشارة إلي
عدد كواكب المجموعة الشمسية ولو بطريقة ضمنية في رؤيا منامية لنبي من
أنبياء الله يعتبر آية من آيات الإعجاز العلمي في كتاب الله ـ تعالى ـ وقد
يحذر دارس من إمكانية اكتشاف كوكب جديد, ولكن على بعد أكثر من تسعين وحدة
فلكية ( وهي المسافة الفاصلة بين الكوكب الحادي عشر والشمس). يتعذر
على جاذبية الشمس الإمساك بأحد أجرام السماء الذي ينطبق عليه وصف الكوكب.
وعلى ذلك فإن قول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ على لسان عبده ونبيه يوسف( عليه السلام):
"... يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين" ( يوسف:4)
فيه
سبق زمني بأكثر من أربعة عشر قرنا بحقيقة علمية لم تصل إليها العلوم
المكتسبة إلا في سنة2003 م, وبعد مجاهدة استغرقت آلاف العلماء لمئات من
السنين. وهذا السبق العلمي لا يمكن لعاقل أن يتصور له مصدرا غير الله
الخالق.
فالحمد لله الذي أنزل القرآن الكريم بعلمه على خاتم أنبيائه
ورسله, وتعهد بحفظه إلي ما شاء, في نفس لغة وحيه( اللغة العربية),
حتى يبقي هذا الكتاب المجيد شاهدا على جميع الخلق إلي يوم الدين. والحمد
لله على بعثه خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي تلقي
هذا الوحي الخاتم فبلغ الرسالة, وأدي الأمانة, ونصح الأمة, وجاهد في
سبيل الله حتى أتاه اليقين, فنسأل الله ـ تعالى ـ أن يجزيه خير ما جازي
به نبيا عن أمته, ورسولا على حسن أداء رسالته, وأن يؤتيه الوسيلة
والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة من الجنة إن ربي لا يخلف الميعاد, وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.